السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن أبي تميم بن أوس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال :
( الدين النصيحة ، قلنا : لمن يا رسول الله ؟
قال : لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم )
رواه البخاري و مسلم .
§¤°~~°¤§ أصل النصيحة §¤°~~°¤§من الإخلاص ، كما يقال : " نصح العسل " أي : خلصه من شوائبه
وإذا كان كذلك فإن إخلاص كل شيء بحسبه ..
وهذا الحديث عظيم ، ويكفي دلالة على أهميته أنه يجمع أمر الدين كله
في عبارة واحدة ، وهي قوله صلى الله عليه وسلم :
( الدين النصيحة )فجعل الدين هو النصيحة ، كما جعل الحج هو عرفة ، إشارة إلى
عظم مكانها وعلو شأنها في ديننا الحنيف .
والنصيحة ليست فقط من الدين ، بل هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام
فإنهم قد بعثوا لينذروا قومهم من عذاب الله ، وليدعوهم إلى عبادة الله
وحده وطاعته ، فهذا نوح عليه السلام يخاطب قومه ، ويبين لهم أهداف
دعوته فيقول :
( أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم )
وعندما أخذت الرجفة قوم صالح عليه السلام ، قال :
( يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين )
ويترسم النبي صلى الله عليه وسلم خطى من سبقه من إخوانه الأنبياء
ويسير على منوالهم ، فيضرب لنا أروع الأمثلة في النصيحة ، وتنوع
أساليبها ومراعاتها لأحوال الناس واختلافها .
§¤°~~°¤§ شرح الحديث §¤°~~°¤§في الحديث حدد النبي صلى الله عليه وسلم مواطن النصيحة
وأول هذه المواطن : النصيحة لله
وهناك معان كثيرة تندرج تحتها ، ومن أعظمها :
الإخلاص لله تبارك وتعالى في الأعمال كلها
ومن معانيها كذلك :
أن يديم العبد ذكر سيده ومولاه في أحواله وشؤونه ، فلا يزال لسانه
رطبا من ذكر الله
ومن النصيحة لله :
أن يذب عن حياض الدين ، ويدفع شبهات المبطلين ، داعيا إلى الله بكل
جوارحه ، ناذرا نفسه لخدمة دين الله ، إلى غير ذلك من المعاني .
ومن معاني النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
تصديقه فيما أخبر به من الوحي ، والتسليم له في ذلك ، حتى وإن قصُر
فهمنا عن إدراك بعض الحقائق التي جاءت في سنته المطهرة
انطلاقا من إيماننا العميق بأن كل ما جاء به إنما هو وحي من عند الله
ومن معاني النصح لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
طاعته فيما أمر به ، واتباعه في هديه وسنته ، وهذا هو البرهان الساطع
على محبته صلى الله عليه وسلم .
النصيحة للأئمة المسلمين :
والمراد بهم العلماء والأمراء على السواء ، فالعلماء هم أئمة الدين
والأمراء هم أئمة الدنيا ..
فأما النصح للعلماء :
فيكون بتلقي العلم عنهم ، والالتفاف حولهم ، ونشر مناقبهم بين الناس
حتى تتعلق قلوب الناس بهم .
ومن النصح لهم :
عدم تتبع أخطائهم وزلاتهم ، فإن هذا من أعظم البغي والعدوان عليهم
وفيه من تفريق الصف وتشتيت الناس ما لا يخفى على ذي بصيرة .
وأما النصيحة لأئمة المسلمين :
فتكون بإعانتهم على القيام بما حملوا من أعباء الولاية ، وشد أزرهم
على الحق ، وطاعتهم في المعروف .
النصيحة لعامة الناس :
وغاية ذلك أن تحب لهم ما تحب لنفسك ، فترشدهم إلى ما يكون لصالحهم
في معاشهم ومعادهم ، وتهديهم إلى الحق إذا حادوا عنه ، وتذكرهم به
إذا نسوه ، متمسكا بالحلم معهم والرفق بهم ، وبذلك تتحقق وحدة المسلمين
فيصبحوا كالجسد الواحد :
( إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) .
§¤°~~°¤§ من آداب النصيحة §¤°~~°¤§1- أن يقصد الناصح بنصيحته وجه الله ؛ إذ بهذا القصد يستحق الثواب
من الله عز وجل والقبول لنصحه.
2 - أن لا يقصد بالنصيحة التشهير بالمنصوح ، فإن التشهير أدعى لرد
النصيحة بل يكون الأمر في السر ، قال الحافظ ابن رجب :
" كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرا ، ومن ذلك
بيتا الشافعي المشهوران :تعمدني بنصحك في انفراد +++ وجنبني النصيحة في الجماعه
فإن النصح بين الناس نوع +++ من التوبيخ لا أرضى استماعه
3 - ومن الآداب أيضا في النصيحة أن تكون بلطف وأدب ورفق
فإن هذا مما يزين النصيحة ، قال عليه الصلاة والسلام :
( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه )
فانظر إلى من نَصح بشدة وغلظة كم من باب للخير قد أغلق !
وكم من الصدور قد أوغر !
4- ومن ذلك اختيار الوقت المناسب للنصيحة ؛ لأن المنصوح قد
لا يكون في كل وقت مستعدا لقبول النصيحة ، قال عبد الله بن
مسعود رضي الله عنه :
( كان رسول الله يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا )
ولا شك أن للقلوب إقبالا وإدبارا .