اختيار الزوجه ... جمال الخُلق أم الخِلْقة؟
الكثير من الشباب المقبلين على الزواج هذه الأيام يضعون شروطًا لاختيار الزوجة، ومن أهم الشروط التي يضعونها ولا يمكن أن يتنازلوا عنها هي "أن تكون جميلة"، ويبرِّرون لهذا الشرط بأن الفتن والإغراءات قد كثُرت في عصرنا، وهو يريد زوجةً تعفه عن الحرام وتساعده على غض بصره، وقد يتنازل عن بعض الشروط إلا هذا الشرط، بل إن البعض قد يتنازل عن شرط "التدين والالتزام" ويقول: عندما أتزوجها سوف أقوم بدعوتها إلى الالتزام بالدين.
والسؤال:هل فعلاً الزواج من الجميلة- دون النظر إلى باقي الشروط- يساعد على غض البصر ويحقق السعادة الزوجية؟!تعالَ معي أخي القارئ نعرض بعض التجارب العملية لرجالٍ تزوجوا بالفعل من جميلاتٍ وتنازلوا عن شروط مهمة لنرى كيف كانت حياتهم بعد الزواج، وهل فعلاً هم سعداء في حياتهم أم لا، ونعرض أيضًا لرجال تزوجوا من ذوات الدين وإن كنَّ لا تتمتعن بقدرٍ من الجمال.
هناك الكثير من المشاكل لرجالٍ تزوجوا الجميلات أو حسب تعبيرهم الحرفي: التي أعجبهم حسنُها، والتي ظلوا يبحثون عنها وسط كل الترشيحات حتى تُساعدهم على غض البصر، وتنازلوا عن شروط أخرى أكثر أهميةً، وبعد فترة من الزواج يشكو الزوج ويقول: "أنا غير سعيد في زواجي"!! فكيف يغض بصره ويبتعد عن التفكير في سائر النساء رجلٌ غير سعيد؟!
يقول (س. م): "لقد ظللت أبحث عن زوجةٍ متدينةٍ وفي نفس الوقت جميلة، ورأيتُ عددًا من الأخوات الملتزمات ولكن لم يعجبني جمالهن؛ فأنا كنت أبحث عن زوجة ذات جمال باهر أخَّاذ حتى تساعدني على غض بصري، ولمَّا لم أجد ذات الجمال الباهر في الملتزمات بحثتُ عنها خارج دائرة الالتزام، ووجدتها فعلاً، وقد بهرني جمالها، وقلتُ في نفسي إنني سوف أبذل معها مجهودًا أثناء فترة الخِطْبة لتحافظ على الصلاة وتلتزم بدينها وتكون أختًا متدينة، وبالفعل خطبتها، وقد أبدت بعض القبول في بداية الخطبة بأن تلتزم بدينها وحجابها، ومرت فترة الخطبة وتزوجتها، وبدأت بعد فترة من زواجنا تظهر بعض المشاكل الزوجية وتظهر من عيوبها ما لم أكن أتوقعه؛ فقد كانت عنيدةً وتتكبر عليَّ بجمالها، وأصبح جمالها نقمةً عليَّ وليس نعمة، حتى صرتُ لا أطيق النظر إلى وجهها لسوء معاملتها لي، وأفكر الآن في طلاقها والزواج من أخرى ولكن ذات دين وخلق، ولقد آمنت إيمانًا لا شك فيه أن الجمال وحده بغير دين يُدمِّر الحياةَ الزوجيةَ ويقلبها إلى جحيم".
انظر- أخي القارئ- كيف أن الجمال وحده لا يحقق السعادة ولا يساعد على غض البصر، وهذا نموذج واحد فقط عرضناه، لكن هناك نماذج كثيرة شبيهة له، وكلها تتفق في أن الجمال وحده لا يحقِّق سعادة، بل قد تغتر الزوجة بجمالها، وهذا قد حدث ذلك فعلاً مع البعض؛ لأن الذي يعصم الزوجة من ذلك هو خوفها من ربها، فإذا انعدم الخوف من الله وانعدمت الأخلاق فتوقَّعْ منها أي شيء، إضافةً إلى سوء معاملة الزوج ودلالها الزائد الذي يجعل الزوج يكره عشرتها وتزول السعادة وتتحول الحياة الزوجية إلى جحيمٍ لا يُطاق.
وهذا
نموذج آخر لشاب بحث عن ذات الدين بصدقٍ وجعل الدين والخلق شرطًا أساسيًّا لا غنى عنه، وقد تزوَّج ذات خلقٍ ودين لكن كان نصيبها من الجمال قليلاً، فهل زوجته لم تحقق له السعادة؟ وهل لم تساعده على غض بصره؟.. تعالَ معي نستمع إليه وهو يتحدث عن نفسه
يقول هذا الشاب: "عندما أردتُ أن أتزوج تذكرتُ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"؛ فأول شرط وضعته ولم أتنازل عنه كان التدين، أما باقي الشروط فإن وُجدت بنسبةٍ فلا مانع، وبالفعل رشَّح لي أحد المقربين مني أختًا ملتزمة حاملةً لكتاب الله ومن بيتٍ طيبٍ متواضع، وعندما حكى لي عن أخلاقها أُعجبت بها قبل أن أراها، وعندما ذهبتُ لرؤيتها وجدتها سمراء، ولا تمت إلى الجمال الظاهر بأية صلة، فحدث لي وقتها انقباض، فلم أكن أتوقَّع أن تكون هكذا، ولكن تذكرتُ حديث الحبيب مرةً أخرى "فاظفر بذات الدين" وقلتُ في نفسي لن أُغيِّر نيتي، ولا بد أن أُصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبدأتُ أتحدث معها، فظهر لي أدبها الجم في الحديث وحسن انتقائها لأطايب الكلام، وظهر لي بعض الجمال الخفي الذي طغى على الشكل الظاهر، فشعرتُ بقبولٍ شديدٍ نحوها، وتمت الخِطْبة وتزوجنا بفضل الله، وأنا والله أشعر أنني أسعد زوج في العالم؛ فهي نِعْم الزوجة، وظهر لي جمالها الحقيقي في خفة دمها وجمال روحها وحلاوة كلامها، ومعاملتها الحسنة وإجلالها لي ووقوفها بجانبي وقت الشدة، وإذا غضبتُ أجدها لا تنام حتى ترضيَني، وهنا- والله الذي لا إله غيره- أيقنتُ يقينًا لا شك فيه بصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وأن جمال الشكل وحده لا قيمة له إن لم يُتوَّج بجمال الأخلاق وحسن المعاشرة
فهل اختيار الزوجه يتوقف علي جمال الخُلق أم الخِلْقة؟