يبدو ان الاولوية الرئيسية للسياسة الامريكية في المنطقة العربية تتمثل اليوم في حرص امريكا وسعيها لتحويل ملامح الشرق الاوسط من خلال دفع وتشجيع الديمقراطية في الدول العربية. فهناك برنامج خاص في وزارة الخارجية الامريكية لتنمية الديمقراطية في العالم العربي ترأسه اليزابيث تشيني ابنة نائب رئيس الجمهورية ديك تشيني. ولقد أكد غالبية كبار المسؤولين الامريكيين اهمية تطبيق الديمقراطية في الدول العربية. وافادت كوندوليزا رايس مستشارة الرئيس بوش لشؤون الامن القومي مؤخرا بأن امريكا سوف تعمل في الشرق الاوسط مع الذين يسعون نحو مزيد من الديمقراطية والتسامح والرخاء والحرية. وفي فبراير 2003 قال الرئيس بوش: «ان للعالم مصلحة واضحة في انتشار القيم الديمقراطية لأن الاستقرار في الامم الحرة لا يؤدي الى ظهور ايديولوجيات القتل، بل يشجع على السعي السلمي لحياة افضل». ويوضح تصريح الرئيس بوش ان اهتمام امريكا الحالي بنشر الديمقراطية في العالمين العربي والاسلامي يرتبط باعتبارات المصلحة الامريكية والامن القومي الامريكي. فلقد كان بعض القادة السياسيين الامريكيين في السابق المنتمين على الاغلب الى الحزب الديمقراطي وليس الجمهوري مثل كيندي ومجفرن وهمفري يدعون الى دعم الديمقراطية في العالم الثالث لاعتبارات اخلاقية انسانية ويعارضون دعم امريكا للانظمة الدكتاتورية مثل نظام شاه ايران كما يعارضون تدخلها لضرب الانظمة الليبرالية والاطاحة بها كما فعلت واشنطون مع نظام اليندي في تشيلي، ولكن السبب الذي يجعل الادارة الامريكية الجمهورية المحافظة تهتم الآن بدمقرطة العالم العربي ترتبط كما ذكرت باعتبارات الامن القومي الامريكي واعتبارات المصلحة الامريكية. ففي اعقاب تفجيرات 11 سبتمبر 2001 اصبحت امريكا تشعر ان امنها القومي يواجه تحديا خطيرا من القاعدة. وبما ان المنبع الاساسي للقاعدة هو العالمان العربي والاسلامي، فلقد نقلت امريكا حربها ضدها الى داخل الدول والمجتمعات العربية والاسلامية. ولم تكتف امريكا بملاحقة ومحاربة تنظيمات الحركات المتطرفة ومصادر تمويلها من مراكزها الرئيسية ولكنها ذهبت الى ابعد من ذلك بكثير ووضعت استراتيجية تهدف الى هدم الارضية التي تعتقد امريكا انها تساعد على تقوية وتدعيم التطرف في الدول العربية والاسلامية والى بناء ارضية جديدة مغايرة لها تعتقد امريكا انها تعمل على محاربة التطرف والارهاب والقضاء عليهما. ولقد افصحت اليزابيث تشيني عن هذا الموقف بكل صراحة ووضوح حيث بينت ان اسس التعامل الامريكي مع الدول العربية قد تغيرت بعد احداث 11 سبتمبر 2001 بشكل كبير حيث اصبحت تعمل على تغيير البنى الداخلية للمجتمعات العربية باعتبار ان هذه البنى هي المولد الاساسي للارهاب والتطرف. ولقد أكدت كوندوليزا رايس هذه الرؤية الامريكية ايضا عندما افادت بأن «مشاكل الحريات السياسية والاقتصادية في العالم العربي قد هيأت ارضية خصبة لنمو ايديولوجيات الكراهية والعنف، وان الشعور باليأس قد دفع بالبعض الى تفجير انفسهم وقتل اكبر قدر ممكن من الابرياء معهم». وانسجاما مع اهتمام امريكا بالديمقراطية كوسيلة لمحاربة الارهاب والتطرف فلقد انعقد في بريطانيا مؤخرا مؤتمر عن الديمقراطية ومواجهة الارهاب. والسؤال الاساسي الذي طرح في المؤتمر هو: «هل تحقيق المزيد من الديمقراطية في المجتمعات العربية والاسلامية سوف يساعد في القضاء على الارهاب؟» ولقد كان التوجه العام للمؤتمر يؤكد بل يجزم على وجود علاقة قوية بين انتشار الديمقراطية في العالم العربي وبين القضاء على التطرف والارهاب. فهل هذه العلاقة صحيحة وأكيدة ويمكن الجزم بها في جميع الحالات؟ وهل ربط الديمقراطية بمحاربة الارهاب يفيد عملية التطور الديمقراطي في العالم العربي أم يضرها؟
ان ربط الديمقراطية بالعالم العربي بالقضاء على التطرف والارهاب والاعتقاد بأن غياب الديمقراطية قد ادى الى نشوء الايديولوجيات المتطرفة يواجه مشكلتين رئيسيتين فالديمقراطية كما نفهمها ستكون اكثر تعبيرا عن ارادة ورغبات وتوجهات الجماهير وعامة الناس. وان نسبة كبيرة جدا من الجماهير العربية والاسلامية تكره سياسات امريكا في المنطقة العربية وتدعو الى محاربتها وتتعاطف مع بعض الحركات الاسلامية المتطرفة التي تقف وحيدة ـ كما تراها الجماهير ـ في مواجهة المخططات الامريكية. ولنأخذ على سبيل المثال حزب الله في لبنان، فأمريكا تهدد حزب الله وتحاربه وتسعى للقضاء عليه وتعتقد ان هذا الحزب يشكل خطرا كبيرا على امن وسلام المنطقة. ولكن الجماهير العربية بصفة عامة تدعم حزب الله وتعتقد انه حزب وطني قاد ويقود حرب تحرير الاراضي اللبنانية المحتلة. ولو اجرينا استبيانا للرأي العام العربي من المغرب الى دول الخليج عن حزب الله لوجدنا انه يتمتع بشعبية كبيرة، ولهذا فمع احترامي الشديد لكوندوليزا رايس وهي البروفسورة المتميزة القادمة للبيت الابيض من جامعة امريكية عريقة، فانه لا يمكن لها ان تربط انتشار الديمقراطية في العالم العربي بالامن القومي الامريكي وان تتحدث يوم الاثنين عن حرص امريكا على دعم الديمقراطية في العالم العربي وذلك ضمن سياسة محاربة التطرف والارهاب، ثم تهاجم يوم الثلاثاء حزب الله وتهدده وتتهمه بدعم الارهاب. فاذا كان حزب الله ارهابيا فهذا يعني ان دعم الديمقراطية في العالم العربي سوف يدعم مظاهر التطرف والارهاب عوضا عن القضاء عليها. ان التصريحات المتناقضة لكوندوليزا رايس التي تتغنى بدعم الديمقراطية العربية من جهة وتهاجم حزب الله وتهدده من جهة اخرى تعني احد امرين اثنين: اما انها لا تعرف المعنى الحقيقي للديمقراطية وعلاقتها برغبة الجماهير وارادتها، او انها لا تعرف او لا تريد ان تعرف الشعبية الكاسحة لحزب الله بين الجماهير العربية التي اكتسبها من محاربته لاسرائيل. ولكي يكون هناك انسجام بين دعم امريكا للديمقراطية في العالم العربي وبين محاربتها للتطرف والارهاب ينبغي على امريكا اما ان تقوم بإعادة تعريف الارهاب او ان تقوم بإعادة تعريف الديمقراطية وتسميتها ديمقراطية المصلحة الامريكية في العالم العربي. ولقد بدأت الحكومة الامريكية فعلا تغيير تعريف الديمقراطية بداخل امريكا نفسها وذلك بسبب التوسع في ممارسات التعسف وتقييد بعض الحريات التي تم تنفيذها باسم محاربة التطرف والارهاب.
يتبع