الإنسان مدني بطبعة، ومع اتساع المدن وكثرة الفراغ لدى بعض الناس، وانتشار أماكن التجمعات العامة كالمنتزهات والإستراحات، وكثرة الرحلات البرية، والإتصالات الهاتفية، واللقاءات المدرسية، والتجمعات الشبابية، توسع كثير من الناس في المزاح مع بعضهم البعض، دون ضابط لهذا الأمر الذي قد يؤدي إلى المهالك، ويورث العداوة والبغضاء.
والمراد بالمزاح: الملاطفة والمؤانسة، وتطييب الخواطر، وإدخال السرور. وقد كان هذا من هدي النبي كما ذكر ذلك البخاري في باب الانبساط إلى الناس مستدلاً بحديث: { يا أبا عمير ما فعل النغير }.
عن أنس أن النبي قال له: { يا ذا الأذنين } يمازحه [رواه الترمذي].
ولا شك أن التبسط لطرد السأم والملل، وتطييب المجالس بالمزاح الخفيف فيه خير كثير، قال ابن تيمية رحمه الله: ( فأما من استعان بالمباح الجميل على الحق فهذا من الأعمال الصالحة )، وقد اعتبر بعض الفقهاء المزاح من المروءة وحسن الصحبة، ولاشك أن لذلك ضوابط منها:
1- ألا يكون فيه شيء من الإستهزاء بالدين:
فإن ذلك من نواقض الإسلام قال تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66،65]، قال ابن تيمية رحمه الله: ( الإستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر يكفر به صاحبه بعد إيمانه ).
وكذلك الإستهزاء ببعض السنن، ومما انتشر كالإستهزاء باللحية أو الحجاب، أو بتقصير الثوب أو غيرها.
2- ألا يكون المزاح إلا صدقاً:
قال : { ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له } [رواه أبو داود]
3- عدم الترويع:
خاصة ممن لديهم نشاط وقوة أو بأيديهم سلاح أو قطعة حديد، أو يستغلون الظلام وضعف بعض الناس ليكون ذلك مدعاة إلى الترويع والتخويف، عن ابن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد أنهم كانوا يسيرون مع النبي ، فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع، فقال رسول : { لا يحل لمسلم أن يروع مسلما } [رواه أبو داود].
4- الإستهزاء والغمز و اللمز:
والبعض يستهزىء بالخلقة أو بالمشية أو المركب ويخشى على المستهزىء أن يجازيه الله عز وجل بسبب استهزائه قال : { لا تظهر الشماتة بأخيك، فيرحمه الله ويبتليك } [رواه الترمذي].
وحذر من السخرية والإيذاء؛ لأن ذلك طريق العداوة والبغضاء قال : { المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى ها هنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب إمرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؟ دمه، وماله، وعرضه } [رواه مسلم].
5- أن لا يكون المزاح كثيراً:
قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ( اتقوا المزاح، فإنه حمقة تورث الضغينة ).
6- معرفة مقدار الناس:
فإن البعض يمزح مع الكل بدون اعتبار، فللعالم حق، وللكبير تقديره، وللشيخ توقيره، ولهذا يجب معرفة شخصية المقابل فلا يمازح السفيه ولا الأحمق ولا من لا يعرف.
وفي هذا الموضوع قال عمر بن عبد العزيز: ( اتقو المزاح، فإنه يذهب المروءة ).
7- أن يكون المزاح بمقدار الملح للطعام:
قال : { لا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب } [صحيح الجامع:7312]
8- ألا يكون فيه غيبة:
وهذا مرض خبيث، ويزين لدى البعض إنه يحكى ويقال بطريقة المزاح، وإلا فهو داخل في حديث النبي : { ذكرك أخاك بما يكره } [رواه مسلم].
9- إختيار الأوقات المناسبة للمزاح:
كأن تكون في رحلة برية، أو في حفل سمر، أو عند ملاقاة صديق، تتبسط معه بنكتة لطيفة، أو طرفة عجيبة، أو مزحة خفيفة، لتدخل المودة على قلبه والسرور على نفسه، أو عندما تتأزم المشاكل الأسرية ويغضب أحد الزوجين، فإن الممازحة الخفيفة تزيل الوحشة وتعيد المياه إلى مجاريها
و اخـــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــرا
(المزاح سنة، لكن لمن يحسنه ويضعه في مواضعه )
جزاكم الله كل خير